روايات شيقه

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_1]

 مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية كاملة جديدة للكاتبة شيماء جوهر والمليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية المليئة بالتضحيات , وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الثامن والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر.

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل الثامن والعشرون

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

 

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل الثامن والعشرون

 

“قلب ميت”

لا يعرف لماذا تردد كثيرًا ليقدم على هذه الخطوة، لهذه الدرجة لا يريد رؤيتها، أم يخشى مواجهتها؟ حتى وهي نائمة .. ساكنة في فراشها لا حول لها ولا قوة، ليس لديها القدرة حتى على مواجهته .. يريد أن يحطمها كما حطمت قلبه بفعلتها، ولكن شيء بداخله يجعله يتراجع كلما تذكر آخر ما رأت عيناه وتلك الكلمات التي مزقت قلبه أشلاء .

جلس جوارها صامتًا، فقط ينظر إليها في شرود ومشاعر مختلفة تجنوا على رأسه دون أي رحمة ولم يشعر بنفسه وهو يقول معاتباً وبكل غضب

“ليه عملتي كده؟ ليه يا سلمى؟ .. مش كنا اتفقنا على كل حاجة .. كان لازم عنادك ودماغك إللي زي الحجر دي .. عجبك إللي وصلتيه؟ .. أدي أخرة جنانك وأخر حاجة ممكن أتصورها منك .. مش كنا خلصنا .. مش عارف بس أنتِ طلعتيلي منين دخلتي حياتي وبرجلتيها وسلبتي عقلي من غير ما أحس .. عايز أكسرك زي ما كسرتيني بس مش قادر .. كفاية عليكِ إللي هاشم وريهولك، مش قادر ألومك وفي نفسك الوقت لازم أعاتبك .. أنا محتار واقف في نص الطريق ومش عارف أعمل إيه .. كل حاجة باظت بسببك أنتِ يا سلمى خلافي مع أمي وأبويا .. حتى نور الحاجة إللي مهونة عليا راحت هي كمان ومش طايقة تبص في وشي بسبب اخوكِ .. حتى خطيبتي !! ياريتك ما ظهرتي في حياتي .. نفسي تفوقي عشان نخلص من الكابوس إللي وقعنا فيه كلنا ده .. وكله من تحت راسك ومن تصرفاتك اللي ملهاش سابق إنذار، كنتِ ممكن ترفضي بأي طريقة أو تكلميني أحاول أتصرف بس متكسرينيش كده يا سلمى .. كل ما بسمع أسمك مببقاش طايقك بفتكر كل حاجة عملتيها بداية من أسلوبك معايا لحد هروبك .. حسابك معايا لما تفوقي .. مش هسمحلك تدمري أي حاجة بعد كده يا سلمى .. فاهمة ؟ .. مش هسمحلك كفاية جنان لحد كده .. أنتِ ولا حاجة بالنسبالي ولا حاجة”

انسدلت الدموع من جانب عيناها دون أن يلاحظ، وبدون أي مقدمات بدأ جهاز رسم القلب يعرض الخط المستقيم معلناً نهاية رحلتها المأساوية من تلك الحياة البائسة .. فزع طارق ولم يصدق صفير الجهاز الأمر الذي حدا به أن ينطفض من مكانه ويصيح بأسمها برعب حقيقي لأول مرة، خوف .. توتر .. تشتت لا يعلم ماذا يفعل سوى أن هرول للخارج ليصيح في الجميع برعب، ليلتفتوا إليه في هرع شديد وهو يقول :

– الدكتور .. فين الدكتور .. سلمى قلبها وقف .. حد يشوف الدكتور بسرعة .. أتحركوا

في ذات اللحظة التي صاح بها طارق ركضت نور نحوهم في فزع شديد بعدما كانت تراقبهم من بعيد، ليتعجب يوسف من ظهورها المفاجئ ليصيح به بعنف:

– إللي حصل؟

صاح هو الآخر بعنف شديد وعلا صوته:

– هو ده وقته .. هات الدكتور

لم تنتظر نور تلك المشادة بينهم لتهرول في لهفة إلى غرفة العناية وشاهدت الخط المستقيم بعيناها لتتبعها سميحة الآخرون، صرخت بأسمها ليهرول يوسف في صياح باحثً عن الطبيب ليأتي مسرعًا ومعه ممرضة .. صاح بهم في انفعال:

– أطلعوا كلكوا برة

تراجعوا للخلف وعيونهم مشبثة عليها بغير تصديق، فقط يشاهدونها خلف الزجاج الطبيب يصعق قلبها بهذا الصادم الكهربائي عدة مرات دون استجابة منها .

انهارت نور وأنفجرت باكية، لتضمها سميحة وتبكي معها هي الأخرى بألم وحزن شديدين على مصير تلك المسكينة التي بين الحياة والموت الآن .

أمير يشعر بأن هناك شيئًا ما غير واضح ومفهوم في كل ما يحدث، شيئًا ما خاطئ ويجب أن يحل هذا اللغز المحير الذي لازال يحدث حوله .

ويوسف الذي هربت الدماء عن وجهه وتخشب في صدمة ورعب، أخذ يفرك يداه بعنف شديد ويسير في توتر شديد ذهابًا وإيابًا .. أما طارق فلم يسمع نحيب نور ولا سميحة وخطوات قدم يوسف السريعة، كأنه انتشل من وسطهم ولم يعد يشعر بأي

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قصه متسولة كعابيش

رواية زواج لم يكن في الحسبان الفصل الاول

رواية الشادر الفصل الثامن

شيء حوله ووجد نفسه في عالم غريب، لم يرى أمامه سوى مشهد اهتزاز يديها وصفير الجهاز معلنًا عن أكثر شيء يخشى أن يحدث .. لا يعرف بما يشعر به .. فقط تخشب وجهه وشلت حركته، ليسترد وعيه ونور تتشبث به من أعلى قميصه بعدما تركت ضمة سميحة إليها وصاحت به في غضب شديد وهيستريا بكاء:

– أنت قلتلها إيه .. أنطق .. كانت كويسة ومفيش أي حاجة .. علمت إيه .. مش هسامحك لو جرالها حاجة يا طارق .. سامع .. مش هسامحك

فضت سميحة بينهم وجذبت نور نحوها في رفق، ولا تزال عيناها تنهشه غضب وألم، ويوسف يشاهد ما حدث ولا يفهم شيء .. ليتوتر طارق ويقول مدافعًا:

– معملتش حاجة .. دخلت عادي أطمن عليها وفجأة حصل إللي حصل

رمقته نظرة عتاب لتقول بغضب:

– مش مصدقاك يا طارق ..

لتقاطعها سميحة قائلة بحدة وهي مشبثة بمنكبيها:

– خلاص يا نور وطارق ذنبه إيه يعني .. أهدي يا بنتي وأن شاء الله هتكون كويسة

سكن طارق جانبًا مع أمير محاولًا تجنب نظراتها، بعد دقائق من التوتر خرج الطبيب لينقضوا جميعًا عليه في لهفة وقلق، لتصيح نور أولهم:

– إللي حصل عشان قلبها يقف بالشكل ده .. هي عاملة إيه دلوقتي ؟

رد الطبيب بهدوء يتناسب مع الموقف وقلقهم البين أمامه :

-الحمد الله جات سليمة .. ده إللي أنا مستغربه بصراحة .. حالتها لا تستدعي توقف قلبها

هنا رمقته نور نظرة نارية خشى هو منها، كادت أن تحرقه في مكانه ليستأنف الطبيب حديثه:

– بس الحمد لله إنها بخير .. ممكن تفوق على آخر اليوم بإذن الله .. عطيتها حقنة مهدئة .. عن أذنكوا

ساد الصمت على الجميع، وهالة كبيرة من الحزن والألم ومشاعر مختلفة حاوطت المكان بأكمله .

نظرات خاطفة بين الثلاثي الغاضب، مع ملاحظة سميحة ذلك وهي لم تعد تفهم بعد ما الذي حدث بينهم لتنقلب الآية بهذا الشكل .. ونظرات أمير الثاقبة لهم تحاول تحليل رد فعل لكل منهم .

********************

دلفت تهاني غرفة المكتب لتجد محمود منشغل في بعض الملفات أمامه لتتنهد بحيرة وحزن، أقتربت منه وجلست قباله في صمت تام بعد أن وضعت صنية القهوة على سطح المكتب، ليرفع رأسه وينظر لها لبرهة ثم يعاود نظره فيما كان يعمل به .. قطعت الصمت لتقول في هدوء:

ـ مينفعش تنزل شغلك على معدة فاضية .. على الأقل أشرب قهوتك

مد يداه وتناول الفنجال ورشف منه رشفة واحدة ثم وضعه أمامه، أمسكت يداه في حنان ليجدها باسمة:

ـ هتكون كويسة بإذن الله متقلقش .. مش لسة مطمني عليها امبارح أول ما رجعت .. الولاد عندها من دري لو في أي جديد هتلاقيهم مبلغينك على طول

زفر بشدة وأراح ظهره للخلف ليقول بتفكير وقلق:

ـ من ساعة إللي قريته في الملف وأنا كل إللي شغالني الكارثة إللي ممكن تحصل في أي وقت .. واللي هيدفع تمنها واحدة ملهاش أي ذنب على الإطلاق .. مش هسمح تضيع زي ما ضاعت فريدة يا تهاني ولا نسيتيها ؟

ابتسمت بحزن ثم أردفت في وهن:

ـ متتنسيش يا محمود .. الله يرحمك ويصبرنا على فراقك .. وحشتني أوي .. على طول بلاقيها كأنها قلقانة من حاجة .. ربنا يستر على سلمى

رد محمود بتفكير:

ـ آخر حاجة ممكن أتصورها أن بعد السنين دي كلها ألاقي سلمى عارفة حكاية موت أمها .. عرفت الموضوع ده منين بس يا ربي من ساعة اللي حصل واحنا مكتمين على الخبر

نظرت له تهاني في اهتمام لتقول بجدية:

ـ علمي علمك يا حبيبي .. كده مفيش حل إلا ..

قاطعها محمود بجدية :

ـ مفيش غير كده .. عندك حل تاني؟

ردت مسرعة بنفس النبرة :

ـ طب والولاد هنقنعهم أزاي بحاجة زي دي؟

صاح بها بجديدة متناهية وصرامة:

ـ مفيش وقت للأقناع يا تهاني .. لازم يرضوا بالوضع اللي افترض عليهم .. المهم محدش يعرف باللي حصل ده دلوقتي .. نمشي الموضوع زي ما هو بالوضع اللي الكل شايفه

رشف بضعة رشفات سريعة من القهوة التي كادت أن تبرد بسبب أنشغاله بحديثه مع زوجته ونهض وهو يرتدي بذته ليسترد وهو يخرج من الغرفة:

ـ في شغل لازم يخلص النهارده في الشركة .. هكلم نور في طريقي هطمن على سلمى .. أفطري أنتِ يا حبيبتي .. سلام

أختفى من ناظرها بعدما ألقى عليها جملته الأخيرة وهي لا تزال جالسة في مكانها دون حراك، تفكر في كل كلمة تفوه بها والخوف والقق ينهشان في قلبها، لتزفر بشدة وتقول وهي تنهض:

ـ ومين اللي له نفس يا كل بس بعد كل اللي حصل ده

******************

تشعر بأن كل مخططاتها بادت بالفشل الشديد رغم كل محاولاتها للتقرب منه وجعله مثل الخاتم في أصبعها مثل زي قبل، ولكن تلك اللعينة التي دخلت حياتها وأفسدتها ببراعة دون أن تدري .. حيالها لم تنتهي بعد، فمازالت تمتلك كروت لتتحرك وتصل إلى مبغاها بكل سهولة .. ابتسمت بمكر وشبح إنتصار على شفاتيها على ما دار في عقلها وقررت عليها تنفيذه .

وصلت للشركة ودلفت للداخل إلى أن وصلت لمكتب السكرتارية .. نظرت لها السكرتيرة بتمعن لأول مرة تراها لتردف قائلة برسمية:

ـ تحت أمرك يا فندم

تصنعت سارة الجدية:

عايزة أقابل مستر عاصم

أردفت السكرتيرة بنفس الأسلوب:

ـ في ميعاد سابق يا فندم ؟

ابتسمت سارة لتقول في ثقة:

ـ لا .. قوليله بس سارة وهو هيعرفني

اندهشت ثم رفعت سماعة الهاتف وبعد لحظات أردفت:

-أتفضلي مستر عاصم في إنتظارك

ابتسمت لها ودخلت على الفور بكل ثقة وغرور مكتب عاصم بعدما قرعت على الباب دون إنتظار أذن منه على الأقل .. لينهض هو في غضب شديد لمجرد رؤيتها ويقترب نحوها بخطوات متعجلة، أمسك ذراعها بقوة لدرجة إيلامها ليصيح بها مجززًا أسنانه:

– مش قلتلك قبل كده متهوبيش ناحية الشركة بعد كده .. حصل ولا محصلش ؟

نظرت له بخوف داخلي ولكنها تحلت بالقوة لتقول متألمة ولا يزال ذراعها بين قبضته الضخمة:

حصل .. بس سيبني يا عاصم أنت بتوجعني

تركها وأزاحها بعنف متجهاً نحو مكتبه، وهي تنظر له بغرابة تتحسس ذراعها أثر قبضته لتجلس قباله بمنتهى الثقة والهيمنة وكأن لم يكن شيئًا:

– أعملك إيه ما أنت مبتردش عليا من آخر مرة كلمتك فيها .. ممكن أفهم بقى إيه اللي شاغلك عني .. أوعى تقولي ست سلمى بتاعتك دي

رد عاصم بتعالي:

– ايوة هي

زفرت بغضب وحقد شديدين وكادت أسهم من لهب محمومة تنطلق من عيناها نحوه، لتصيح به في ضيق شديد:

– يا ربي هو أنا مواريش سيرة إلا هي .. حتى أنت كمان مشغول بيها يا عاصم .. هي البت دي سحرالكم ولا إيه عايزة أفهم

ضحك عاصم ليثقول ساخرًا:

– مين دي اللي تسحرلي ! .. أنتِ اتهبلتي في عقلك يا سارة ولا إيه .. مش عاصم السيوفي اللي حد ياخد حاجة بتاعته وعينه عليها

ابتسمت بسخرية نصف ابتسامة لم تصل إلى عيناها لتثير استفزازه:

– اها أهو واضح .. بأمارة إنه مطنشني ولا بيسأل فيا ولازقلها

رمقها بغضب وهو يجز على أسنانه:

– ما تتلمي يا بت أنتِ في إيه بدل ما أقوم أكسرلك دماغه

هدئت قليلاً وقررت أن تبطيء وتيرة تلك اللعبة، فابتسمت دون أن يلاحظ بأنتصار ثم قالت بفضول واهتمام:

– ألا صحيح ايه اللي حصل ؟ .. روحتلها ؟

زفر بحنق عندما تذكر ما حدث في المشفى، دار بالمقعد المتحرك الذي يجلس عليه دورة كاملة وأثار الغضب تبدو واضحة عليه، حتى هي لاحظت ذلك وأيقنت بأن هناك مشادة قد حدثت بينهم بالفعل .. طرق بيده على سطح المكتب بعنف ليصيح بها:

– عارفة لو كان المحروس يهمك أوي كده كان زماني محيته من على وش الأرض .. وبدل الرصاصة اللي جات في كتفه المرة الجاية هتيجي في قلبه

شعرت بالغضب من حديثه لترمقه بصدمة وتصيح به:

– أنت أتجننت يا عاصم ولا إيه .. متفقناش على كده .. أنت ليك سلمى وبس وليك عليا ازيح طارق من طريقك بس كله إلا إنك تقتله

نظر لها وضحك بسخرية ليقول بتهكم واضح:

– خايفة على حبيب القلب ولا إيه

ابتسمت ساخرة وأصطنعت الجدية والصدق:

– طبعاً يعني .. مش خطيبي!!!

مازالت البسمة الساخرة طاغية على شفاتيه، ناظرًا لها بمكر وخبث على تفكيرها السوداوي .. يعلم جيدًا ما تفكر به وما تنوي على فعله .. ففي نهاية المطاف لا ينكر بأنه معلم بارع وها هي تكون خليفته .

*****************

لم يعد يتحمل طارق نظرات شقيقته الحارقة له، ونظرات الغضب الجامح من يوسف وقد لاحظت نور ذلك بدون فهم سر التحول الغريب بينهم .. غادر المشفى بعدما أطمئن على حالها متحججًا بالأعمال المتأخرة في الشركة التي تستوجب وجوده .. ولكنه لم يذهب للشركة بالفعل، فمثل تلك الظروف التي يمر بها لا يستدعي أي طاقة أو شغف كي يستأنف عمله .

قاد سيارته وأخذ يتجول بها بدون هدف أو داعِ، أنحرف عن طريقه وذهب لمكانه المفضل، تلك الكافتريا التي طالما تتجه قدماه إليها مع إيهاب .. لم يتحمل أن يطيل في المكان بمفرده، فكاد أن يجري مكالمة له وجده هو من يهاتفه، رد طارق سريعًا ليس كعادته:

ايوة يا إيهاب أنت فين؟

رد إيهاب باهتمام:

– أنت إللي فين من امبارح يابني .. طمني إللي حصل

زفر بحنق، ليس لديه طاقة للحديث وفي ذات الوقت يريد إطلاق العنان لما بصدره:

– مش هينفع الكلام هنا .. تعالى أنا قاعد في الكافيه

نهض إيهاب وقال باهتمام:

– طيب مسافة السكة

أنهى معه المكالمة وهو يفكر في ذلك المستقبل الغامض الذي يجمعه بسلمى، لا يدري هذا القرار أو ذاك المصير الذي يدمعهم سوياً صحيح أم لا، وهل إن كانوا في ظروف مناسبة أفضل مما هما عليه الآن علاقتهما ستتغير أم ستبقى كما هي؟ .. لا يدري ولكن هو على أكيد أن ارتباطه بسلمى بأي شكل من الأشكال اضطراري ليس إلا ولا يحمل في طياته أي مشاعر .

قرابة نصف ساعة وصل إيهاب، واخذت عيناه تبحث عنه في جميع الجهات إلى أن وجدته ليقبل عليه سريعاً ويجلس في المقعد المقابل لطاولته ليصيح به في اهتمام حقيقي:

– صوتك مش عاجبني .. قولي بقى إللي حصل

صمت طارق، فقط ينظر إليه دون أن يتفوه بأي كلمة، إلى أن زجره إيهاب:

– ما تنطق يابني سيبت ركبي

زفر بشدة وبدأ يقطع صمته دون أن ينظر له:

– سلمى دخلت في غيبوبة بسيطة بسبب قلة الأكل والشرب .. والذي زاد الطينة بلة إن قلبها وقف فجأة لما دخلت أتكلمت معاه .. المفروض إنها تفوق على النهارده بليل

رفع عيناه ليجد ملامح إيهاب تلونت بالصدمة لما سمع، ليقول بشك:

– ده إللي هو ازاي .. أنت كنت بتقولها إيه يا طارق؟

زفر بشدة وسأم من هذا السؤال الذي يذكره بأندفاع نور نحوه من قبل .. ليقول بأندفاع هو الآخر:

– ولا حاجة يا إيهاب .. مش هتبقى أنت ونور كمان .. قلتلها كل إللي في قلبي ناحيتها يا سيدي .. كل إللي حاسه، عارف إني كنت قاسي في الكلام معاها .. لو كانت في وعيها زمانها سمعتني موشح .. مش فاهم في إيه

رمقه في غضب وعتاب، أدرك تمامًا ما حدث لينظر له طارق بغرابة متسائلًا:

– مالك بتبصلي كده ليه ؟ أنا ناقصك أنت كمان

ليصيح به ايهاب:

– يعني كل إللي قلته ده ومش فاهم في إيه .. هتستعبط يا طارق!!

زفر بنفاذ صبر ليقول:

– ما تنجز يا إيهاب في يومك ده

تنهد بعمق وأردف بنفس النبرة:

– راجع نفسك وهتعرف في إيه كويس يا طارق

كلمات إيهاب أصبحت مثل اللغز بالنسبة له، ولا يعرف بماذا تنحرف كلماته، فهو حقًا لم ينكر بأنه قلق لما حدث لسلمى منذ أن تركها .

**********************

في تمام الساعة الثامنة مساء ..

ظلام دامس لا ترى منه حتى أصابع يدها .. أين هي يا ترى؟ ما هذا الصمت الموحش الذي تسمع صداه حولها؟ .. أيمكن أن يكون الله استجاب دعاءها في لحظة ما ودون أن تشعر تجد نفسها في القبر؟ .. لا لا إنها ليست بميتة .. إنها على قيد الحياة .. ذلك الصفير الذي تسمعه بالقرب من أذنيها يخبرها بذلك، شعرت بالحزن قليلًا عندما أكتشفت تلك الحقيقة، كانت تريد أن تنهي آلامها بأي طريقة وها قد جاءت لها الفرصة السانحة ولكنها لم تحظى بها للآسف .. ولا تشعر بأنها في غرفتها .. إذن أين تكون يا ترى؟ .

تشعر بجفاف حلقها يكاد أن يمزقه من عدم الارتواء بعد .. زفرت بشدة وهي تفكر وتحاول إستعادة وعيها بشكل كامل كي تتدارك الموقف، فما الذي على وجهها هذا؟ شيء أصغر بقليل من كف يداها يغطي أنفها وفمها معاً، تحسست برفق لتجد ما تفكر به صحيح، إنه جهاز التنفس الصناعي، ماذا حدث ليتنهي بها الأمر لتكن مقيدة تحت هذا الجهاز؟ .. معنى ذلك إنها ليست بمنزلها .. نعم لقد أدركت الموقف بالكامل الآن، إنها بالمشفى .. هذا التفسير المنطقي الوحيد الذي يترجم كل ما تشعر به وما يخطر ببالها، نزعته برفق وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة، كأن هذا الجهاز من كان يسترق منها الهواء وليس من يعطيه إياه .. لا تستطيع حتى تحريق قدمها أو جسدها، تشعر بأنها شلّت تماماً حركتها، والأدهى تشعر بألآم في أنحاء جسدها ولا تستطيع الاعتدال مرورًا بوجع شديد في رأسها .. مرت لحظات ونزعت تلك الوصلة التي تشبه “المشبك” من يداها وبعض الإبر المثبتة بعناية في ظهر كفها ليعلن الجهاز صفير الختام .

أثناء ذلك كانوا جميعاً منذ الصباح في مكانهم بأستراحة أمام غرفة العناية المركزة، رفض كل من سميحة ونور على ترك سلمى في هذه الحالة خوفاً من إستعادة وعيها في أي لحظة ولن تجد أي منهم بجانبها، كذلك يوسف لم يقدر على فراق المشفى، فضّل البقاء بجانب عمته ونور ..

فغادر أمير وعاد إليهم في المساء بعدما أنهى عمله، فطبيعته يتحتم عليه عدم الغياب في الوقت الحالي .

بمجرد سماع صوت صفير الجهاز واستواء خط رسم القلب نهضوا في فزع ورعب لينظروا جميعًا لبعض في قلق وارتباك .. لا ليس للمرة الثانية، هرولت نور الى الغرفة مرة أخرى لتشاهد سلمى استعادت وعيها، فقط ممددة على الفراش دون حراك وكل الأجهزة منفصلة عن جسدها، ركضوا نحوها في لهفة لتقوم نور بضمها بقوة وهي قد انهمرت في البكاء فرحة لرؤيتها مفتوحة العينان مرة أخرى، لتقول هامسة بين بكاءها:

– حمد لله على سلامتك يا غالية .. وقفتي قلبي

ألتفتت إلى يوسف الذي كان واقفًا خلفها وأردفت بتلقائية وهي تخفف دموعها:

– روح بسرعة بلغ الدكتور أن سلمى أخيرًا فاقت

أطاع أمرها وبالفعل ذهب يبحث عن الطبيب ..

تحسست وجهها سميحة وقبلت جبهتها مردفة في حنان وحب بالغ:

– ألف حمد لله على سلامتك يا بنتي .. روحي ردت فيا لما شوفتك مفتحة عينيكِ تاني .. كده يا سلمى تخضينا عليكِ

ابتسمت نور ونظرت لسلمى باسمة:

– بتقولي فيها يا طنط .. الحمد لله إنها قامت بالسلامة

نظرت لهم ببلاهة وهي تستعيد وعيها تدريجيًا، ما الذي حدث لتأتي إلى هنا .. فهي لا تتذكر شيئًا مما حدث .. تنهدت وتكلمت بصعوبة

– هو إيه إللي حصل ؟

ابتسمت نور وأردفت وهي تربت على يداها بمرحها المعتاد :

– ضعف يا ستي من قلة الأكل والشرب .. كده بردو يا سلمى .. كنت بتعملي دايت ولا إيه .. لولا إنك قوية كنت هتموتي

تذكرت سلمى مرارة الأيام الثلاثة الماضية لتزرف دمعة من جانب عيناها :

ليه مسبتونيش أموت .. عاجبكوا أوي يعني الحياة إللي عايشاها عشان أتمسك بالدنيا .. أب آسى واخ بيبعد عني .. سلمني للدرمار بالتدريج

وصل يوسف ومعه الطبيب على هذه الجملة، تسمر ولم يستطع الحديث، فقط شعر بخيبة الأمل والحزن على الحال الذي وصل إليه مع شقيقته الوحيدة، يشعر بالعجز .. مشاعر لا يستطيع ترجمتها بكلمات، تقابلت عيناهم دقائق معدودة دون كلام ليقطع صمتهما

– حمد لله على سلامتك يا سلمى .. وقعتي قلبي .. كده من غير أكل ولا شرب .. عايزة تموتي؟

نظرت له وتبتسمت نصف ابتسامة ساخرة:

– هو أنا بقى ليا حد عشان أعيشله .. ما خلاص .. إللي كنت عايشالها سابتني

كلماتها بمثابة سكين بارد يدبحه ببطئ، وتلك النظرة المعاتبة مثل السهام النارية تحرق قلبه، لم ينسى انه من صمم على معرفة والدهم بخبر رجوعها ووجوب العودة له، لولا ذلك لمكثت مع عمتهم بضعة أيام ليكن لها قدرة على المواجهة، ولكنه شعر بأنه أصبح مثله يريد أن يتدارى ما فعلته سريعاً بأقرب وقت .

شعرت سميحة بهذه الحرب المندلعة من ناحيتها نحو اخيها، فهي تشعر به هو الآخر فقررت التدخل بلطف سريعاً:

– بلاش كلام كتير يا سلمى .. احنا جنبك أهو يا حبيبتي .. اخوكِ مهما كان بيطمن عليكِ

رمقته بلوم وأكتفت بالصمت؛ ليمزق أمير تلك الحالة ويقترب من سلمى جالساً قرب فراشها:

– ايوة بقى .. حمد لله على سلامتك يا جميل

ابتسمت بخفة رغم عنها لتقول:

– الله يسلمك يا أمير

اقترب الطبيب منها وتناول معصمها فاحصًا إياها لقياس نبضاتها .. ليبتسم ويصيح بمرح:

– لا عال .. النبض أتظبط وكله تمام .. أهم حاجة في الفترة دي تتغذي كويس جداً وتشربي سوايل كتير .. هكتبلك على شوية فيتامينات تمشي عليهم .. ونصيحة بلاش تجهدي نفسك اليومين الجايين دول لحد ما تستعيدي عافيتك تاني

أومأت بإيجاب ليخرج ويتركهم .. يستأنف أمير حديثه ولكن بجدية هذه المرة:

– أحكيلي بقى إللي حصل لما أخدك من وسطنا

تكونت الدموع في مقلتيها وبدأت بالقص، كانها تشاهد ما حدث يتكرر امام عيناها:

– لما سحبني من أيدي ومشينا .. ركبنا الاسانسير وكان غضبه مكتوم بطريقة ترعب .. نزلنا وزقني في عربيته ورزع الباب وقعد يزعق فيا ويسمعني كلام زي السم .. أول ما وصلنا البيت شدني بالقوة وطلعني على اوضتي وفرج عليا الخدم في البيت كله، مسمعش رجائي ولا حتى عياطي ورحمني .. زقني جوة ومن هنا بدأت كل حاجة

أسمعي يا سلمى .. من هنا ورايح ولا في خروج من البيت ولا مرواح للكلية ولا فيه عربية ولا تليفون حتى .. وهتقعدي هنا زيك زي الكرسي .. مسمعش حسك خالص لحد ما تفوقي من الوهم إللي عايشه فيه

نهضت بألم وهي تنظر له بألم وحسرة :

– وهم! .. أنت إللي عايش في وهم مش أنا .. أنت بتعمل معايا كده ليه؟ أنا دنبي إيه .. فوق بقى

ضربني بالقلم ومن هنا محستش بنفسي غير ويوسف بيفوقني وواخدني في حضنه .. من هنا وأنا حسيت إن حياتي في البيت ده هتبقى عذاب عشان كده على بليل قررت إني لازم أهرب والمرادي محدش هيعرفلي طريق .. وبالفعل لبست ونزلت أتسحب قبل ما يرجع من برة بس للآسف مسكني وأنا الخوف قفش في قلبي وتبت

– مش قلت مفيش خروج من البيت، حصل ولا محصلش؟ كنتِ رايحة فين الساعة دي .. عايزة تهربي وتعريني زي ما عملتِ قبل كده؟ .. أنطقي .. إللي نزلك من اوضتك

سلمى من داخلها قلبها يرتعش من الخوف، ولكن قررت بأن لا تطهر ذلك أمامه، يجب بأن تبقى صامدة على قدر الإمكان، نظرت له بتحدي :

– مش هتحبسني ومش هعمل حاجة بمزاجك تاني، عايز تقتلني وتريحني زي ما قلتت أمي أتفضل .. على الأقل هيكون أرحم من السجن إللي أنا عايشة فيه ده

أشتعل الدم في عروقه من شدة الأتهام الذي تقذفه أمامه ونبرة التحدي وعدم الخوف الظاهر على نبرتها، يشعر بأنه سوف يفقد السيطرة عليها تدريجياً .. حكم قبضته بشدة وهو يسحبها خلفه بقوة وهو يقول :

– واضح أن كلامي مبيتسمعش .. أنا هوريكِ السجن إللي على أصوله، إن مكنتش أربيكي يا سلمى من أول وجديد مبقاش أنا هاشم الجوهري

صعد بها السلم ومنها إلى غرفتها، فتح الباب وألقى بها بعنف وقسوة فأرطضدمت على الأرض وهي تبكي، تتظرت له بحسرة وألم وعتاب ليقول لها محذراً وهو في أقصى حالات إنفعاله وغضبه :

– أسمعي يا سلمى وده أخر تحذير ليكِ .. لو فكرتي تعملي العملة السودة دي تاني أنا هعرفك شغلك كويس .. من هنا ورايح مفيش خروج من الاوضة دي نهائي إلا بأمر مني مش من البيت بس ولا مخلوق هيقدر يوصلك .. وحسك عينك تفتحي بؤك بكلمة واحدة لحد ما أشوف حل للمصيبة إللي أنتِ وقعتينا فيها دي بعملتك السودة

حبسني بعدها وقفل عليا بالمفتاح .. ومانع أي حد يشوفني أو يكلمني .. مكنش ليا نفس لأي حاجة .. لا أكل ولا شرب ولا حتى الحياة نَفسها لازماني ساعتها، بيطلع يشوفني مرة في اليوم يشوف دماغي لآنت ولا لسة مصرة على موقفي ولما ميلاقيش مني رجا يسمعني كلام يسم البدن .. بطلت أكل مش عارفة إن كان عناد وإضراب ليه هو ولا ليا .. بس كنت بحاول أتخلص من حياتي بأي شكل من الأشكال .. كنت عايزة أكلمك أو أكلم عمتو تيجوا تلحقوني بس كان واخد مني الفون وأي وسيلة إتصال للآسف .. قلت هي موتة ولا أكتر .. مش هاكل ولا هشرب يمكن ربنا يريحني من العذاب إللي أنا عايشة فيه ده

جميعهم يستمعون إليها في اهتمام شديد وحزن لا يوصف على ما مرت به من آلام بمفردها ..

انسدلت الدموع من عيون سميحة، مشفقة على هذه المسكينة وما مرت به من أيام عصيبة، تحملت كل هذا وحدها دون أنيس أو جليس .. تدعو الله أن يهدي اخيها عما يفعله بابنته الوحيدة .

ويوسف الندم يعشم قلبه على تركها تلك الأيام الماضية بمفردها، حتى لم يدافع عنها حتى النهاية وفر تاركها تعاني وحدها .

أمير يحاول أستيعاب كل كلمة ويقارن بين الرجل الذي كان يعرفه قديماً قبل وفاة زوجته والذي رآه ويسمع عنه حالياً .. ما الذي حدث له ليتحول لهذه الدرجة من البشاعة والقسوة على فتاة مثل سلمى هذا .. فقد تحملت الكثير في غيابه وهذا يكون التقدير بعد كل هذا؟.

ولكن هذا لم يتدارى على معرفتهم بمحاولة هروبها للمرة الثانية .

***********************

لا يعرف ما وجهته هذه المرة، كلمات إيهاب يدوي في أذنيه حتى الآن، ولا يعرف إن كان بالفعل محق أو هو مجرد تعاطف معها ليس أكثر ..

زفر إيهاب وقال بنفاذ صبر:

لازم تفكر كويس هتعمل إيه الفترة الجاية يا طارق .. بس أرجع وأقولك غلطان

رمقه طارق بضيق ليصيح به بغضب:

– غلطان في إيه بقى أنت كمان

استرد حديثه:

– غلطان في قسوتك بالكلام ليها .. لو كانت صاحية ومستوعبة إللي بتقوله مش عارف كانت ممكن عملت إيه .. أنت جرحتها من غير ما تحس .. مش كفاية معاملة أبوها ليها زي ما بتقول هتيجي أنت كمان وتكمل عليها

صاح طارق بحنق أكثر :

– والمفروض أعمل إيه يعني بعد كل إللي عملته ده .. والمصايب إللي جات من تحت راسها .. اطبطب عليها يعني؟!

زفر إيهاب وقال بنفاذ صبر:

– لا .. أتكلم معاها براحة وهدوء وأعرف إللي عايز تعرفه .. هتلين معاك

رد دون الالتفات له:

– سلمى عنيدة يا إيهاب .. مش زي سارة أقدر أأثر عليها بالهدوء زي ما بتقول .. لو مشدتش عليها هتركب دماغها أكتر

ابتسم بسخرية:

– وأنت فاكر بعمايلك دي هتلين معاك مثلاً يعني ولا إيه .. أقطع دراعي إن ما كانت عندت معاك أكتر .. مش كده يا اخي لازم تقنعها وتحس بالأمان الأول قبل أي حاجة .. فكر كويس

أقتنع نوعًا ما بحديث إيهاب، ولا يعرف من داخله أن كان سيجدي نفعًا مع تلك الشخصية القوية .. المتمردة .. العنيدة .. مثل شخصية سلمى أم لا .

انحرف بسيارته وعاد إلى المشفى وهو في داخله يشعر بأن سلمى قد استعادت وعيها، وأن وجدها بالفعل كما يشعر كيف سيواجهها ؟ .. هل بنفس الكلمات القاسية التي وجهها إليها وهي نائمة أم يحاول أن ينفذ ما قاله إيهاب؟ .

وصل المشفى ودلفت للداخل متجها للطابق التي تمكث فيه سلمى داخل العناية .. أقترب من الباب ليجده شبه موصد ليدخل ويجد بالفعل أن سلمى قد استعادت وعيها، ليستمع لحديثهم .

بعدما أستمع أمير لقصها حتى النهاية، رد بجدية :

– بعد كل إللي حصل يا سلمى كنت عايزة تهربي تاني ؟

رمقته بغضب لتصيح به في حنق:

– كنت عايزني أعمل إيه وأنا شايفاه بيمرمط فيا ولسة هيمرمط .. ها .. منتظر مني أستنى لحد ما تكون نهايتي زي نهاية أمي؟ .. للآسف يا أمير مهما أكلمه أو أحايله مفيش فايدة من كل ده .. كنت عايزة أهرب من قسوته عليا .. غصب عني رد الفعل ده .. من الآخر كده محدش قادر عليه واللي في دماغه مش هيرتاح إلا لما يعمله

زفر بنفاذ صبر وهو يرتب أفكاره قبل أن يتحدث إليها، نظر لها وأردف بجدية:

– بمناسبة إللي في دماغه ده حقيقي .. صدقيني يا سلمى مش هترتاحي غير ما تنفذي إللي طلبه منك

قطبت جبيمها في دهشة وعدم استيعاب، أعتدلت من جلستها بمساعدة سميحة ونور لتقول بحدة:

– قصدك إيه يا أمير؟

رد بجدية :

– قصدي إللي فهمتيه يا سلمى كويس أوي

صاحت سلمى وهي لا تصدق إن كل ما مرت به كي تبتعد أو تهرب بمعنى آخر عن هذا الشرط، يكون مصيرها في النهاية له :

– لا طبعاً .. مستحيل .. أنت بتهزر !!

حاول أمير أن يتماسك ويتناقش معها بهدوء كي تقتنع بما يريد أن يصل إليه:

– أسمعيني يا سلمى .. حكاية جوازكوا دي فيها أن .. الموضوع مش طبيعي بالمرة عشان يرغمك بالشكل ده على الجواز إلا لو فيه حاجة .. لازم ناخده على أد عقله عشان نفهم إللي بيحصل

أقتنعت سلمى نوعاً ما بحديث أمير، ولكن بداخلها تحاول إنكار كل هذا :

– ولنفترض إن كلامك صح .. ازاي عايزني أتجوز واحد مفيش بينا غير المشاكل والخناق .. يا ريت كان فيه مشاعر على الأقل تنسد العلاقة دي .. لكن لا أنا بطيقه ولا هو بيطقني ومرغم على جوازه مني كان فيه حد ماسكله العصاية .. عايزني بعد كل اللي حصل أتجوز ده .. على جثتي

سمع كل حرف منها وهو يشعر بالأختناق، لهذه الدرجة لا تحبه تريد الخلاص منه، يشعر بالضيق الشديد وحديث إيهاب يتردد في عقله .

رد امير بصرامة :

– يعني عجبك حالك ده يا سلمى ! .. مبسوطة باللي أنتِ فيه ده ! .. ملكيش دعوة بطارق احنا أتفقنا على كل حاجة ومستنيين موافقتك

شعرت بالضيق والغيظ الشديد على كلماته الصارمة لها، وهي آخر من يعلم بمخططاتهم كأنها لابد وأن توافق على الأمر الواقع المفرض عليها، لتصيح في أعتراض شديد:

– الله الله .. وكمان قررتوا ومظبطين كل حاجة وأنا آخر من يعلم!!

زفرت نور، فهي تعرف جيدًا عصبية صديقتها وجدالها الذي لا ينتهي :

– يا بنتي أهدي وأسمعينا شوية .. وأنتِ هتعرفي منين يا فالحة واحنا مش عارفين نوصلك .. ده الحل الوحيد عشان تخرجي من سجنك ده

رمقتها بضيق لترد ساخرة :

– أخرج من سجن عشان أدخل سجن تاني

صاحت بها نور اعتراضاً على تفكيرها :

– يااااختيي ومين قالك كده بس .. كنت أنتِ وطارق قبل كده متفقين كملي أتفاقكوا ورجعوا كل حاجة زي ما كانت .. اللعنة دي مش هتنتهي إلا بجوازكوا يا سلمى

– متبقيش عيلة وترجعي في كلامك للمرة التانية ..

جميعهم ألتفتوا لمصدر الصوت الرجولي، ليجدوه من طارق .. الذي يقف بالقرب من الباب واضعًا كفيه داخل جيب بنطاله ويتحدث بمنتهى الثقة والجدية .

لقد قرر في صميم نفسه أن يجاريها حتى ينتهي من هذا الكابوس اللعين، أن يعاقبها ولكن على طريقته على كل ما فعلته به يومًا ما .. طالما الهدوء لم يجدي معها نفعًا سيسترد طريقته المعتادة معها .. سيعرفها من هو طارق الإبياري إن لم تكن تعرفه من قبل .

طالت النظرة بينهم قرابة عدة دقائق، مليئة بالغضب والحزن والضيق الشديد والعتاب .. عيناهم تتحدث أكثر منها تبصر، ليقطع هذا الصمت نبرة جادة ولا تقبل النقاش:

– من فضلكم سيبونا لوحدنا شوية

نظروا لبعضهم البعض في تردد كبير، وفي نهاية المطاف قرروا إطاعة أمره، فلدى طارق كل الحل أن ينفرد بها ويتم النقاش بينهم بشكل ودي .. ومهما طال الحال فيبقى لقاءهم حتمي لا محال .

خرجوا جميعًا ولم يتبقى في الغرفة سواهم .. أقترب من فراشها بثقة وعيناه منصبة عليها بهدوء لم تعتاد أن تشاهده عليه من قبل، في داخلها تشعر بالخوف والقلق الشديد إنما من الخارج أستجمعت كل قواها لتكن صلبة أمامه لا تهتز حتى لا يشعر ما بداخلها .

جلس على المقعد بجانبها فقط ينظر إليها دون إبداء أي كلمة، يتذكر كل كلمة قالتها، كل ما مرت به من ألم إلى أن بدأ قلبه يحنو لها .. تذكر أسلوبها البارد والمستفز، سوء معاملتها، تراجع عما كان ينتويه، قطع الصمت قائلًا:

– حمد لله على سلامتك

ردت بوجوم دون النظر إليه:

– الله يسلمك

لأول مرة يجلس أمامها ولا يعرف ماذا يقول، فسكت لتختلس النظر له في غرابة من هدوئه الغير معتاد، ويرنوا إليها:

– هتفضل متنحلي كده كتير

زفر بشدة ليقول بشرود:

– مش عارف .. أول مرة معرفش أقول إيه

قطبت بين حاجبيها من تعجب لكلماته، لتبتسم بتهكم

وتقول لنفسها “هتقول إيه أكتر من إللي قولته”

لترد ساخرة:

– أظن مفيش كلام يتقال بعد إللي قولته آخر مرة .. أنت جبت إللي عندك

اندهش هو الآخر من كلماتها، فماذا تقصد يا ترى؟ هل سمعت بالفعل ما قاله وهي فاقدة الوعي .. سالها بتفقد وحذر:

– قصدك إيه؟

ابتسمت بتهكم وقالت معاتبة:

– مش نهيت كل حاجة قبل ما بابا ياخدني

زفر براحة بأنها لم تسمع شيء، ليستانف حديثه بجدية:

– الوضع أختلف .. لازم نشوف حل في الكارثة دي .. عجبك أوي حالك دلوقتي ؟!

شعرت بغليان الدماء سارية في عروقها، ألم يدري أن هو أحد الأسباب التي جعلتها تصل إلى ما تبدو عليه الآن، أين هو بهذه الكلمات في بداية اللعنة ؟ لماذا لم يمد إليها يد العون ؟ تركها تغرق وحدها وجاء اليوم ليلوم حالها!! .. رمقته بغضب لتصيح بحنق:

– شوف نفسك يا طارق وبعدين أتكلم .. عايز إيه دلوقتي؟

يا لكِ من مستفزة .. هكذا قال طارق في قرار نفسه وقرر تجاهلها حتى لا ينفعل عليها الآن وكل شيء يزداد تعقيدًا أكثر ما هو معقد .. زفر بشدة ليرد في نفاذ صبر:

ـ تنفذي إللي أتفاقنا عليه قبل كده وخليتي بيه

جزت على أسنانها بشدة، لم تعد تحتمل تلميحاته السخيفة فيما مضى، لترد عليه ببرود شديد:

ـ أنا مليش دعوة بحوارتكوا دي .. صاحب الشأن أهو فاق ورجع يمسك كل حاجة .. مش ده شغله؟ .. خليه هو إللي يتصرف بقى بس بعيد عني

جز على أسنانة وضغط كفه بالآخر ليقول بغضب مكتوم ولكن بوجه بارد تماماً:

ـ ده على أساس لما جيت أشتغل كان معاكِ ولا مع أبوكِ !!

ابتسمت نصف ابتسامة لم تصل إلى عيناها ولكن بسخرية .. لتردف ببرود وأستفزاز أكثر:

ـ وأنا مالي .. هوصاحب الصفقة الملعونة .. لما تحب تعاتب متجيش عليا

قرر أن يلعب عليها بنفس الأسلوب البارد التي تلعب عليه ليقول بضحكة ساكرة ومتهكمة:

ـ لا يا حلوة .. إللي بدأ حاجة لازم يكملها للنهاية .. وأنا يوم ما مسكت الصفقة دي أتعاملت معاكِ أنتِ مش هاشم بيه .. (وضع قدما فوق الأخرى ليقول ببرود وتهكم) فأنتِ كده بمزاجك أو غصب عنك هتوافقي ومقدمكيش حل تاني

سلمى كانت تشتعل في داخلها أشد أشتعال، أحمرت وجنتيها بحمرة الغضب والإنفعال الشديدين، من يكون لكي يفرض عليها شيء تبغضه وحتى لم يضع لها خيارً .. ليبتسم بإنتصار لرؤيتها غاضبة منه بهذا الشكل .. فهذا لا يعد شيئًا مما كانت تفعله .

ليستأنف حديثه بنفس الأسلوب :

ـ إيه ناوية تهربي تاني .. أه سوري .. قصدي تالت

رمقته بأعين دامعه على وشك الإنهيار، كأنها أسهم بركانية تنطلق من مقلتيها بعنف وغضب .. ودت لو أن يقع تحت يداها وتلكمه حتى تستنفذ كل الطاقة السلبية التي داخلها .. كل الغضب والحزن المكبوت ولا تستطع إفراغه بعد .. لتردف هذه لمرة بجدية وحرقة بالغة:

ـ أن شاالله الدنيا تولع من حوليا .. أكرملي الموت من أني أتجوزك

هنا لم يتحمل طارق البرود الذي يتحلى به منذ بداية محادثته معها، شعر بأنتهاك كرامته .. كلماتها حرقت فؤاده ومزقته أربًا .. لهذه الدرجة هو سيء في نظرها حتى تفضل الموت بدلًا من الزواج منه؟! .. لم يشعر بنفسه وهو ينهض من مكانه ويقترب منه ليمسك ذراعها ويجذبها نحوه بمنتهى العنف والقسوة لتتألم وتصدر أنين من قبضته، وعيناه تقابلت عيناها في غضب لا يوصف، لتجعلها ترتعش بداخلها وتتوجس من نظراته الحارقة لها عكس الجمود والصمود التي تتحلى به من الداخل، لتبادله النظر بتحدي وقلبها يدق بشدة وعنف لتصيح به:

ـ أنت أتجننت ولا إيه .. فوق لنفسك يا طارق وسيب دراعي ..

قاطعها ولا يرى أمامه أحد، فقط الغضب سيطرعليه أشد السيطرة ليجز قبضته أكثر:

ـ هوريكِ الجنان على أصوله لو مسمعتيش الكلام ومشيتي عدل … إيه كل إللي حصل ده ومش همك حد ولا همك إللي ممكن يحصل من تحت راسك !! .. لا فوقي يا بنت الجوهري وشوفي أنتِ بتتعاملي مع مين أحسن ورحمة أمي لهتشوفي مني وش مش هيعجبك أبدًا .. أنتِ فاكرة نفسك إيه عشان تمشي الكل على مزاجك .. أعقلي كده وخليكِ حلوة وخلي اليومين دول يعدوأ على خير .. أنا هطلع دلوقتي أقولهم أننا أتصالحنا وأتفقنا على كل حاجة وتمثلي أننا متفاهمين وكل حاجة بينا رسيت تمام .. وحسك عينك تفتحي بؤك بكلمة وخلي الجوازة الهباب دي تعدي على خير ونخلص من الكابوس إللي أتحطينا فيه من تحت راسك

دفعها بقوة وعنف بعدما رمقها بغضب شديد ليغادر الغرفة في صمت .. لتشعر هي بأنها في كابوس كبير لا تستطيع الأستيقاظ منه، لم تزاح عيناها حتى أختفى من أمامها وهي تنظر له بصدمة كبيرة، فاها مفرغة في صدمة شديدة لتتخشب ملامحها وتنساب الدموع من مقلتيها كشلال لا ينقطع .. لا تصدق ما قاله ولا أن ذلك الحديث يمكن أن يصدر منه على الإطلاق … ولا من التحول الرهيب التي شاهدته بالفعل أمام عيناها .. لا تصدق ما رأته منذ لحظات معدودة، عقلها غير قادر على الأستيعاب بعد .. شريدة تحاول أن تستجمع قواها التي بعثرت في داخلها أثر كلماته الجارحة .. لم تكن تتصور أن يأتي اليوم لتسمع هذه الكلمات الحارقة منه .. آخر من تصورت بعد أبيها وخيانة عاصم لها .. كانت تشعر بأنه مختلف عنهم ولكن أكتشفت بأنها كانت خاطئة بشدة بشأنه، كلهم ذات الشخص .. زاد كرهها للرجال وبغضها لهم .. لا تستطيع نسيان نظراته أو نبرة صوته وما تحملان من غضب وحقد .. ماذا فعلت لتستحق كل هذا منه .. مسحت وجنتيها من أثار البكاء في تحدي وعزيمة .. سوف تجعله يدفع ثمن كل تصرف وكلمة جارحة صدروا منه بطريقتها التي يبغضها كثيرًا، ليعرف من هي سلمى الجوهري كما لم يعرفها من قبل هي الأخرى ..

******************

قام بضبط أنفعلاته خاصًة قسمات وجهه قبل أن يخرج لهم ليبدأ بتلك التمثيلية السخيفة، مؤديًا ذلك الدور الذي يبغضه كثيرًا، مرتسمًا ابتسامة مصنعة .

بمجرد خروجه الجميع ألتفت حوله في لهفة واهتمام، فقد كانوا على إنتظار حار أشد من الجمر .. يخشون اللقاء والمواجهة بينهم بعد آخر مرة والأمور ذات سوءً، فهم يعرفون جيدًا إنفعالات سلمى عندما تشعر بالغضب والعصبية، وطارق لما يتسم من ضبط في إنفعالاته تخشى نور أن يتهور نحوها .

صاحت نور باهتمام:

ـ ها إيه الأخبار طمنَي

ابتسم بأصطناع ليقول:

ـ كله تمام .. أتكلمت معاها وهي أقتنعت بكلامي جدًا وهنكمل اللي أتفقنا عليه قبل كده .. يكفي أننا متفاهمين

نظروا جميعًا إلى بعضهم بعض في دهشة شديدة من حديثه، أي كيف يحدث ذلك في جلسة واحدة وتقتنع بكل ذلك بمنتهى السهولة .. لم تقتنع نور وأمير نهائيًا

يوسف رفع أحدى حاجبيه متعجباً ليقول ساخرًا:

ـ مش معقول !! .. سلمى تقتنع وتسمع كلامك أنت ؟!

رد ببرود وثقة:

ـ الموضوع دلوقتي يمسني ويمسها أكتر من أي حد .. في الآخر احنا في مركب واحدة وأهم حاجة التفاهم عشان المركب تمشي وإلا هتغرق بينا كلنا

تدخلت سميحة قائلة بطيبة والبسمة محتلة شفاتها، على الرغم من سرعة الحدث إلا على الأقل سعييدة لسلمى لزوال حصار والدها وقسوته عليها:

ـ الحمد لله يابني .. غمة وانزاحت

هزت نور رأسها بعدم إقتناع تام .. على الرغم من تلك النتيجة التي كانت ترجوها في النهاية وهي موافقة سلمى على الزواج من اخيها ولكن ليس بهذه السرعة الغير ممكنة، خاصًة شخصية مثلها قوية وعنيدة للغاية لا تستسلم بسهولة أبدًا كيف لها أن تقتنع وتوافق بمنتهى البساطة لتعطي هذا القرار في جلسة واحدة ؟ ماذا أخبرها طارق يا ترى؟ .

الفضول الشديد ينهش في عقلها، غير مقتنعة بالمرة ولم تنتظر فدخلت الغرفة على الفور مستفهمة سبب هذا القرار السريع .

تفاجئت سلمى بهجوم نور عليها، حاولت أن تتماسك وتخفي كل مشاعرها وتتحلى بالقوة والجمود قدر الإمكان، وتتثاقل على نفسها إذا استطاعت ذلك لتصطنع البسمة إذا لزم الأمر.

أقتربت منها وجلست قبالها على فراشها ممسكة بيداها لتقول بلهفة واهتمام:

ـ ده بجد يا سلمى !! طارق قال إنك وافقتي على الجواز

نظرت لها برهة وحرب كبيرة مندلعة بداخلها لتقول بوجه خالي من المشاعر وبمنتهى الهدوء:

ـ ايوة يا نور

عقدت نور حاجبيها دهشة من ردها وهدوءها المبالغ فيه بأستفهام:

ـ بالسرعة دي ؟! .. ده إللي هو ازاي يعني

اصطنعت البسمة وقالت بنوع من الجمود والهدوء الشديد في ذات الوقت:

ـ اخوكِ شديد الأقناع .. تعملي أيه بقى

أنتهت من جملتها لترمقه نظره أستحقار ولوم وسخرية مختلطة بالبرود، لتلتفت نور لطارق الذي كان يقف خلفها وترى بسمة خفيفة أحتلت شفاتيه، لتعيد نظرها لسلمى مرة أخرى في غرابة وعدم فهم مما يحدث حولها لتستأنف سلمى حديثها وكل كلمة تضغط عليها بألم ووجع شديدين بداخلها:

ـ بصراحة كان عنده حق .. دي شركتي في الأول والآخر ومصلحتها تهمني .. وبعدين طالما احنا الأتنين متفاهمين طارق هيهمه مصلحتي .. هيكون حنين عليا أكتر من أبويا .. ماهو في الأول وفي الأخر خطيبي مش زي عاصم .. ولا إيه يا طارق

اندهش طارق من بلاغتها في الكلام لتجعله مقنع نوعاً ما لمن يسمعها، ليكون هو الوحيد في الحاضرين الذي يعلم بأنه تقصد عكسه تمامًا .. ليلاحظ تلك النظرة الحانقة التي تحمل سخرية واستخفاف به، فهو قال لها ألعن من معاملة عاصم لها ولا يمت للحنان بصلة.. ليتصنع البسمة وهو يشعر بالغليان في داخله:

ـ طبعًا هي دي عايزة كلام

تتنقل نور نظراتها نحوهم ببلاهة شديدة وعقلها لا يريد إستيعاب ما يحدث وما تراه وما تسمع أمامها، أما أمير يشعر بأن هناك حلقة مفقودة .. كيف لها بعد كل ما مرت به أن تقتنع بدقائق معدودة جمعت بينهم .. كيف ذلك؟ .. لم يكن يشعر بالراحة على الإطلاق .. على عكس تفكير يوسف الذي يشعر بأن هناك شيئاً خفي بينهم نوع من المشاعر كانوا يخفونها ولكن أين هذا هو السؤال .

ما حدث أربك الجميع وجعلك في حيرة وشرود من رد الفعل الغير متوقع من سلمى .. تلك المتمردة على واقعها توافق بمثل هذه السهولة وطارق الذي لا تطيق سماع أسمه والتعامل معه يصبح قريبًا لدرجة الصفاء بينهم .. لا يمكن ذلك .

يقطع أمير هذا الصمت الذي دخل في دقائق معدودة ليقول:

ـ على الرغم أني مش قادر أصدق إللي حصل ده بسهولة إلا أن خالي يا سلمى أكتر حد هيفرح بالقرار اللي أنتوا أخدتوه ده أكتر من أي حد

لتبتسم سلمى ساخرة بمرارة وحزن شديد تبين من نبرة صوتها:

ـ أنت هتقولي

من كانت تلاحظ قسمات وجهها على الرغم من حفاظها على ثباتها وألا تنكشف أمامهم ألا أن سميحة شعرت بها .. شعرت بأنها تخفي شيئًا ما في داخلها .

تم تغيير مجرى الحديث ليتعمق فيما سوف يحدث فيما بعد هذا القرار، من حديث حفل الزفاف وخلاف ذلك وسلمى تستمع لهم وهي بمنتهى الشرود وتومأ برأسها فقط وعقلها في عالم موازي، ليسترق طارق النظر إليها بين الحين والآخر لتتهرب هي من نظراته ويلاحظها نور وأمير في صمت تام .

******************

عاد كل من نور وطارق للمنزل قرب آذان العصر، وأثناء الطريق تفكر وهي على يقين بوجود خطأ ما في كل ما حدث، عقلها لازال لا يصدق ولا يريد ذلك وتخشى القادم بشدة .. فلا يوجد لديها مخرج من الحيرة التي وقعت بها سوى الأستسلام إلى الأمر الواقع وتشاهد مجريات الأمور كيف تتطور بينهم، وفي داخلها تدعو الله أن ييسر أمورهم وأحوالهم في الأيام المقبلة .

بمجرد وصولهم دلف طارق إلى الداخل سريعًا ومنه إلى غرفته قبل أن توقفه تهاني، لتنظر له نور بغرابة من تصرفاته وتكون سميحة في إنتظارها وأستقبالها، ضمتها لصدرها في حنان كبير وهي تحاول امتصاص كل الحب الذي تشعر به وهي في داخلها وتحمد الله على نعمة وجود أم بجانبها، طالت ضمتها لتشعر بها تهاني مربتة على ظهرها بخفة :

ـ أنتِ كويسة يا حبيبتي ؟

ردت وهي مغمضة العينين باسمة:

ـ ممممم الحمد الله .. بس عايزة أفضل في حضنك كده شوية

ضحكت تهاني وقالت بمرح:

ـ وماله يا ستي بس نقعد الأول بدل ما تحضنيني على الواقف كده

ابتسمت نور وابتعدت عنها، ساروا معًا نحو الحديقة لتجلسا وعادت نور لتضمها مرة أخرى، حاوطت خصرها بذراعيها ونامت على صدرها .. ابتسمت تهاني وأخذت تمسَح على شعرها لتقول:

ـ متأخرتيش يعني النهارده

تغيرت تعبيرات وجهها لتقول بشيء من الهدوء:

ـ أبداً .. سلمى فاقت وأتكلمت معانا .. سيبناها تستريح شوية .. هي كويسة الحمد لله

لاحظت تهاني تغير وجهها لتتحول للشرود وعدم التركيز، وضع يداها على ظهرها لتقول باهتمام :

ـ إللي حصل يا حبيبتي شكلك مش عجبني

تنهدت نور بحيرة لتقول بتفكير:

ـ مش عارفة يا ماما .. بس حاسة أن في حاجة مش مفهومة .. سلمى وافقت تتجوز طارق

صاحت بها تهاني بفرحة حقيقية:

ـ إيه ده بجد .. ازاي

ردت نور وهي تحاول ربط جميع الخيوط في بالها:

– ده إللي بدي أفهمه .. قعد معاها بعد ما خرجنا يا دوب ربع ساعة .. لحق يقنعها بالسرعة دي

تعجبت قليلاً تهاني ولكن بررت:

ـ ما يمكن يا بنتي فكرت وربنا هديها

نفت نور مسرعة لتقول بثقة:

ـ لا يا أمي مش سلمى إللي تقتنع بالسهولة دي ولا بالسرعة دي .. حضرتك ناسية كانت بتتكلم عنه ازاي ؟.. دي لا بتحبه ولا بتطيقه ومجبرة عليه وطارق نفس النظام .. يقى يا ترى أقنعها بإيه ؟ قاللها إيه يخليها تغير رأيها بالشكل ده .. ولا كلامهم لبعض دول أتغيروا 180 درجة بطريقة أنا لحد دلوقتي مش قادرة أستوعبها وعمالة أفكر لحد ما حاسة إن الصداع قرب خلاص

فكرت تهاني في حديث ابنتها ومبرراتها لترى ما تقوله منطقي ومقنع، ولكن في ذات الوقت بررت قائلة:

ـ مش يمكن يا بنتي يكونوا ..

قاطعتها جازمة:

ـ ازاي ونظراتهم لبعض عكس تمامًا اللي قالته .. لو هنخدع من كلامها لكن نظراتها لا يا أمي .. في حاجة

تنهدت تهاني بحيرة لأنها تعرف ابنتها جيدًا عندما تضع موضوع ما في عقلها وتبدأ التفكير به وتقوم بتحليله لا ترتاح لا عندما تأتي بآخره .. ابتسمت كي تهون عليها:

ـ متشغليش بالك بالموضوع ده خلاص .. الحمد لله إنها وافقت وربنا يهديهم هما الاثنين .. خلي لموضوع ده يخلص على خير .. ما صدقنا يا بنتي والحمد لله إنها قامت بالسلامة

زفرت بحيرة أكثر مما تبدو عليها وقررت أن تتنحى عن الموضوع قليلًا حتى تتم هذه الزيجة .. لتغير تهاني مجرى الحديث:

– اومال اخوكِ فين ؟

تغيرت تعبيرات وجهها للضيق لتقول:

– طلع اوضته كالعادة من غير ما تشوفيه عشان متستجوبيهوش

ضربتها بخفة على ذراعها واصطنعت الضيق:

– عيب كده يا بنت .. إيه استجوبه دي

ضحكت نور على شكل والدتها وهي تصطنع الضيق لتنهض من مكانها وتقبل جبينها وتردف في مرح:

– هههههههههههه ولا تزعلي نفسك يا توتو بس هو بيشوفها كده

ابتسمت وقالت تهاني بحب:

– ماشي يا حبيبتي أطلعي غيري هدومك وأنزلي أتغدى .. وإياكِ تقولي مليش نفس .. أنتِ بقالي يومين أكلتك مش عجباني .. عايزة تقعي مني أنتِ كمان ولا إيه

قبلتها نور وابتسمت مردفة:

– حاضر يا قلبي هطلع أغير وأنزل على طول

تركتها نور وظلت تدعو الله أن يحمي أولادها من كل شر وأن تمر تلك الأيام القادمة على خير.. ولكن تركتها نور في حيرة وتعجب من داخلها، فهي محقة على كل حال .. يجب أن تخبر زوجها بالمستجدات لكي يرتب أموره للأيام التالية ويتموا الإجراءات في أسرع وقت .

مر قرابة نصف ساعة وهو على نفس الحالة، أراح ظهره على الوسادة الخلفي .. حتى إنه لم يستجيب لدعوة والدته ليتناول الغداء متحججًا بالتعب والشبع، ولكن في حقيقة الأمر إنه على غير إستعداد للنقاش مع أي شخص كان، يريد الأختلاء بنفسه ويفكر فيما حدث وكيف طاوعه قلبه وعقله كي يقول لسلمى ما قاله منذ وقت ليس بطويل .. لا يستطيع أن ينسى نظرة عيناها التي تحمل الغضب والخوف والتحدي في آن واحد، تلك الإرادة القوية التي واجهته بها وتلك النبرة الباردة التي كاد أن يعتاد عليها .. ولكن جملتها الأخيرة جعلته لا يرى أمامه شيء سوى تحطيم رأسها على كلماتها الجارحة التي تهشم رجولته وحطمته أربًا، لم يستطع أن يتجاهلها مثلما يتجاهل الكثير منها سواء من نظرات أو ردود أفعال .. لم يشعر وهو ينهض من مكانه ويمسك ذراعها بقوة لدرجة إيلامها ويعنفها بتلك الكلمات القاسية ليجعلها تشعر بأنها لا قيمة لها أو أوجاعها ولا ما مرت به من قسوة وحزن وألم حتى .. جعلها تشعر بان كل ما مرت به كي تتجنب هذا الشرط السخيف مر هباء بتهديده وقسوته معها التي لم تشاهدها من قبل .. لا ينكر بانه ندم نوعًا ما على ما بدر منه في حقها ولكن كان يلقى اللوم عليها، هي من استفزته وأخرجت أسوء ما فيه وقت عصبيته .. كتم بداخله كل ما مر به هو الآخر من ألم وحزن وضيق وتغيير في مجريات حياته بيوم وليلة وخرجت بها .

زفر بحنق وضيق وهو يقول لنفسه “أنا آسف يا سلمى .. بس أنتِ زودتيها أوي”

*******************

أنهى محمود تلك المكالمة التي كادت أن تكون بداية حل لكل مشكلاتهم، ليهاتف هاشم على الفور ليحدد موعد لإجتماع طارق في أسرع وقت ممكن، لو يكاد أن يكون اليوم .

وما توقعه أمير من قبل قد حدث بالفعل، هاشم الفرحة كادت أن لا تسيعه .. لا يهم كيف وافقت ابنته أو ماذا حدث لتصل إلى هذا القرار المصيري، كل ما يهمه الآن أن تتم الصفقة ويحصل على مصلحته بعدها سوف يلتفت إلى الجميع .

في صباح اليوم التالي قرابة الساعة العاشرة صباحًا، حضر كل من محمود الإبياري وأولاده، هاشم الجوهري وابنه يوسف، أخيرًا عاصم التي لم يكن حضوره مقبول من قبل سلمى وطارق ويوسف ولكن حضوره لازم ولا يغير المضمون على كل حال هو ابن شريك .. ماعدا سلمى التي رفضت حضور الإجتماع متحججة بالإرهاق الشديد والتعب أثرًا ما كانت عليه، في حقيقة الأمر لا تريد رؤية ولا مواجهة والدها وعاصم وطارق، فعندما كان يهاتفها كانت تتجاهل مكالماته، حتى والدها عندما آتى لزيارتها أصطنعت النوم ولم تريد رؤيته ولا مواجهته يكفي ما حدث منه حتى الآن .. ولكن أشترط هاشم على وجوب وجودها.

نظرات الجميع لبعضهم بعض غير مريحة ومربكة للغاية، عاصم ونظراته لطارق لسهام المشتعلة، براكين منصهرة في داخلة من الكره والحقد ولكن يخفيها على وجهه ببراعة، لم يزيل يوسف نظره من نور التي توترت من رنوه عليها لهذه الدرجة وكلما تذكرت تحول معاملته للجفاف معها تتسم قسماتها للجمود وتتجاهل نظراته ليشتعل هو من داخله ليلاحظهم طارق الذي يرمقهم بغضب وتحذير ليكون هذا الأخير موجها بالأخص ليوسف يذكره بما نهاه عنه .. نظرات خاطفة بين سلمى وطارق وهي تحاول أن تبتعد عنه بقدر الإمكان هو ووالدها في هذه اللحظة وإلا سوف ترتكب جناية.. وبالطبع نالت حظها من نظرات عاصم الذي يكاد لم يزيل نظره عنها وطارق يشعر بالغيظ الشديد.

إنتهى الإجتماع على أسس معينة وعلى الجميع الالتزام بها، ملخصة في أشتراط هاشم على حفل زفاف ولو بسيط كي تكون الزيجة طبيعية للجميع ومن أجل المظاهر العامة

ـ مش لازم فرح على فكرة

تلك هي الجملة الوحيدة التي نطقتها سلمى منذ جلوسها صامتة طيلة الإجتماع، لتنصب كل الأعين عليها … ليرمقها هاشم بنظرة تحذيرية بأن تصمت ويصيح بها أمرًا

– أنتِ تسكتي خالص ..

قاطعته سلمى بإندفاع وهجوم:

– لا مش هسكت يا هاشم بيه.. هو جوازي ولا جوازكوا ؟ مش خلاص نفذت إللي كان في دماغك عايز إيه تاني .. لحد كده وكفاية أعمل فرح معملش دي حاجة ترجعلي أنا وخطيبي

نظر إليها ليتدخل في الحوار ويردف بجدية وصرامة :

– سلمى معاها حق .. ده شيء يخصنا .. عن نفسي ملوش لازمة خالص بما إنه جواز بالغصب

ابتسمت سلمى لاندفاع سلمى، إذا هذه هي صديقتها التي تعرفها جيداً .. لا تستسلم لحقها وليست كالتي كانت في المشفى .

نظر لسلمى عقب الإنتهاء من جملته لتبادله النظرة بغضب شديد وابتسامة مصطنعة أمام الجميع .. ليصيح هام بهم ويقول بغضب:

– أنتوا بتحلموا أنتوا الاثنين .. مش كفاية كل ده حصل من تحت راسك يا ست سلمى لما هربتِ ومكنتش عارف أقول إيه للناس .. ولما حاولتِ تهربي لتاني مرة .. أهي حاجة تبرر عملتك والتأخير إللي اتأخرناه بسببك .. الفرح هيتعمل سواء بمزاجكوا أو غصب عنكوا

كاد أن يتكلم طارق ليقاطعه محمود بحزم لا يقبل النقاش كي ينهي هذا العراك:

– خلاص يا طارق أنت وسلمى .. فرح فرح المهم نخلص من المشكلة إللي اتحطينا فيها كلنا دي

تقابلت نظراتهم لثواني باستسلام للأمر الوقع ومن داخلهم يشعران بالضيق الشديد

ابتسم هاشم بإنتصار ليقول بثقة وتحكم:

– يبقى الفرح بعد بكرة

أنتفضت سلمى معترضة:

– بعد بكرة إللي هو ازاي يعني وأنا لسة مش قادرة أسلب طولي

تدخل محمود سريعًا وهو ينظر لسلمى بحزن شديد:

– بعد بكرة إيه يا هاشم !!! .. مش هنلحق نجهز حاجة ولا نجيب حاجة

رد ساخرًا:

خلاص نخليها كمان يومين .. ما أنتِ بقيتي زي القردة أهو وبتردي وجيتي الإجتماع ..

قاطعته والدموع في مقلتيها لا تصدق الذي يتكلم معها بهذه الطريقة هو أبيها لتصيح بإندفاع:

– أنت إللي جبتني وبالغصب مش بمزاجي .. أنت أب أنت !!!

تجاهل دموعها ونبرة صوتها المتألمة وكانها لم تقل شيئا ورد ببرود:

– يبقى خلاص الفرح بعد يومين

قال طارق ساخرًا:

– يوم زيادة !! الله على كرم أخلاقك

صاح بحنق وهو ينظر لمحمود:

– شوف ابنك يا محمود

صاح به طارق فلن يتحكم به هو الآخر كما يتحكم في ابنته:

– مش عاجبك كلامي !! .. أصل بالعقل كده فرح إيه إللي هيتعمل كمان يومين .. مفكرتش على الأقل في بنتك تصلب طولها ..

قاطعه هاشم بحدة وكأن الحنان والرحمة انتزعوا من قلبه للأبد ولا يمتوا له بصلة:

– بنتي دي سبب الخسارة في حياتي من ساعة ما أمها جابتها وهي قرفاني بيها .. مش كفاية هخسر الصفقة دي من تحت راسها .. تتحسن ولا متتحسنش مش قضيتي المهم تصلحوا إللي بوظتوه .. هو مال سايب

لم يتحمل محمود ما يقول ولم يصدق أن من يتحدث هو هاشم لنهض ويمسكه من أعلى قميصه ويصيح به والدماء تغلى في عروقه:

– أنت بتقول إيه يا راجل يا مجنون أنت .. دي بنتك

تدخلت سلمى سريعًا م وهي تصرخ بهم وإنهارت من البكاء وقلبها يتمزق أشلاء أثرًا لما سمعته من أبيها، وأيقنت بأنها لا تعني شيء بالنسبة له .. وقررت أن تنهي الأمر كي تتخلص من هذا الجحيم الذي تعيش فيه:

– خلاص يا أنكل سيبه .. سيبه أرجوك خلاص معدش فيه فايدة من الكلام .. الفرح كمان يومين زي ما هو عايز .. بس ينسى بعدها أن له بنت أسمها سلمى

انفجرت وتمزق صوتها أثر صياحها وبكاءها .. نهضت سريعا لترحل من غرفة الإجتماعات أمام نظر الجميع ..

*********************

إلي هنا ينتهى الفصل الثامن والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_2]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى